صية النبي عليه السلام لأبي ذر الغفاري
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون، موضوع الدرس اليوم وصيّة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم لسيّدنا أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه، وقبل أن أشرع في شرح هذه الوصيّة، لابدّ من كلمة بين يدي هذه الوصيّة.
>
عن أبي ذر قال:
((دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقال: يا أبا ذر! إن للمسجد تحية، وتحيته ركعتان فقم فاركعهما، قال: فقمت فركعتهما، ثم قلت؛ يا رسول الله! إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ ))
قصة أبو ذر الغفاري Story Abu Zar Ghaffari
قصة أبو ذر الغفاري Story Abu Zar Ghaffari
كلكم يعلم أنّ هناك في أركان الإسلام صلاةً
وصيامًا وحجًّا وزكاةً وشهادةً، فالشهادة مرّة، والحجّ والزكاة والصيام
تسقطان عن الفقير والمسافر على اختلاف فيما بينهم، أما الفرض المتكرّر الذي
لا يسقط بحالٍ إطلاقًا هو الصلاة، وأوّل ما يحاسب عنه المرء يوم القيامة
الصلاة فإن صحّت صحّ عمله، وإن فسدَت فسد عمله.
قولـه: فما الصلاة ؟ أي ما قيمتها ؟ وما حقيقتها ؟ وما مكانها في الإسلام ؟ والنبي يقول:
قولـه: فما الصلاة ؟ أي ما قيمتها ؟ وما حقيقتها ؟ وما مكانها في الإسلام ؟ والنبي يقول:
((الصلاة عماد الدّين))
وهذا الشبيه لا يعرفه إلا أهل البادية، خيمةٌ
كبيرة جدًّا، وبيت من الشعر، قوام هذا البيت عمود في الوسط، فإذا سحبتهُ
أصبحتْ الخيمة قماشًا ملقى على الأرض، كانت بيتًا فأصبحت قماشًا.
قال: خير موضوع، أي خيرُ شيءٍ كلّفنا الله به هو الصلاة، لأنّ خالق الأكوان سمحَ لك أن تتّصل به، كما - ولله المثل الأعلى - وعظيم من عظماء الأمّة سمح لمواطن أن يدخل عليه متى أراد، مع أنّ أكبر الشخصيات لا يستطيعون الاتصال به إلا بعد شهر أو شهرين، أما واحد فمسموحٌ له أن يتّصل به كلّما شاء، اتّصال هاتفي أو زيارة.
قال: فمن شاء أقل ومن شاء أكثر، إن استكثرت بها فنِعِمّ ما تفعل وإن استقللْت، فالحدّ الأدنى الفرائض، والحد الأعلى النوافل، أي كما شئت، فالخير كلّه في الصلاة، وحينما مرّ النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه على قبر، قال عليه الصلاة والسلام: صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفّلكم خيرٌ لكم من دُنياكم كلّها، كلمة دنياكم كبيرة، فهناك شركات أرباحها ألوف ملايين الدولارات، وهناك بيوت ومحلاّت تجاريّة وشركات أدوية، وشركات غذائيّة، وأساطيل بحريّة وجويّة، وثرواتٍ باطنيّة، وبترول، قال: صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفّلكم خيرٌ لكم من دُنياكم كلّها، خير موضوع، فمن شاء أقل ومن شاء أكثر قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ الإنسان طموح، والإنسان يحبّ الكمال، والأكثر، والأكمل والأقوى، والأدوم والأطول، قال: إيمان بالله لأنّ الإيمان بالله يبنى عليه كلّ شيء وجهاد في سبيله وهذا هو الدّين كلّه ؛ آمنتَ بالله، وضبطْت أهواءك ونواتك وشهواتك، وكسبك للمال، وعلاقاتك بالنساء، وبأفراحك وأتراحك، أنت آمنت بالله وسرْت على منهجه، وهذا أعظم عمل، لذلك هذا الذي يأتي إلى بيوت الله ويجلس على الأرض لِيتَعرّف إلى الله وإلى كتابه وسنّة نبيّه، هذا ماذا يفعل ؟ يفعل أعظم عمل، وكلّ إنسان له بيت وجلسات مريحة في بيته، وله غرفته الخاصّة، وقد يطلب من أهله شايًا أو قهوة، ويجلس مع أهله ؛ قد يمزح ويضحك، راحته الجسميّة والنفسيّة مؤمّنة في بيته أما حينما يدع بيته ويأتي إلى بيت من بيوت الله ليتعرّف إلى الله، وإلى كتابه وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم، هو يقوم بأعظم عمل على الإطلاق لأنّ هذا الحضور والاستماع يجعل القناعات متراكمة بعضها فوق بعض، هذه القناعات المتراكمة شئْت أم أبيْت، لابدّ من أن تُتَرجم إلى سلوك، صادق أمين، لا يكذب، ولا يغشّ، ولا يستعلي، ولا يتكبّر، ويغتاب، ولا ينمّ، ما سبب هذه المواقف ؟ لأنّه مستقيم على أمر الله تعالى
قال: خير موضوع، أي خيرُ شيءٍ كلّفنا الله به هو الصلاة، لأنّ خالق الأكوان سمحَ لك أن تتّصل به، كما - ولله المثل الأعلى - وعظيم من عظماء الأمّة سمح لمواطن أن يدخل عليه متى أراد، مع أنّ أكبر الشخصيات لا يستطيعون الاتصال به إلا بعد شهر أو شهرين، أما واحد فمسموحٌ له أن يتّصل به كلّما شاء، اتّصال هاتفي أو زيارة.
قال: فمن شاء أقل ومن شاء أكثر، إن استكثرت بها فنِعِمّ ما تفعل وإن استقللْت، فالحدّ الأدنى الفرائض، والحد الأعلى النوافل، أي كما شئت، فالخير كلّه في الصلاة، وحينما مرّ النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه على قبر، قال عليه الصلاة والسلام: صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفّلكم خيرٌ لكم من دُنياكم كلّها، كلمة دنياكم كبيرة، فهناك شركات أرباحها ألوف ملايين الدولارات، وهناك بيوت ومحلاّت تجاريّة وشركات أدوية، وشركات غذائيّة، وأساطيل بحريّة وجويّة، وثرواتٍ باطنيّة، وبترول، قال: صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفّلكم خيرٌ لكم من دُنياكم كلّها، خير موضوع، فمن شاء أقل ومن شاء أكثر قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ الإنسان طموح، والإنسان يحبّ الكمال، والأكثر، والأكمل والأقوى، والأدوم والأطول، قال: إيمان بالله لأنّ الإيمان بالله يبنى عليه كلّ شيء وجهاد في سبيله وهذا هو الدّين كلّه ؛ آمنتَ بالله، وضبطْت أهواءك ونواتك وشهواتك، وكسبك للمال، وعلاقاتك بالنساء، وبأفراحك وأتراحك، أنت آمنت بالله وسرْت على منهجه، وهذا أعظم عمل، لذلك هذا الذي يأتي إلى بيوت الله ويجلس على الأرض لِيتَعرّف إلى الله وإلى كتابه وسنّة نبيّه، هذا ماذا يفعل ؟ يفعل أعظم عمل، وكلّ إنسان له بيت وجلسات مريحة في بيته، وله غرفته الخاصّة، وقد يطلب من أهله شايًا أو قهوة، ويجلس مع أهله ؛ قد يمزح ويضحك، راحته الجسميّة والنفسيّة مؤمّنة في بيته أما حينما يدع بيته ويأتي إلى بيت من بيوت الله ليتعرّف إلى الله، وإلى كتابه وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم، هو يقوم بأعظم عمل على الإطلاق لأنّ هذا الحضور والاستماع يجعل القناعات متراكمة بعضها فوق بعض، هذه القناعات المتراكمة شئْت أم أبيْت، لابدّ من أن تُتَرجم إلى سلوك، صادق أمين، لا يكذب، ولا يغشّ، ولا يستعلي، ولا يتكبّر، ويغتاب، ولا ينمّ، ما سبب هذه المواقف ؟ لأنّه مستقيم على أمر الله تعالى
قلت: فأي المؤمنين أكملهم إيمانا؟ قال: أحسنهم
خلقا، مؤمن يصلّي، وآخر يصلّي، أيّهما أفضل ؟ من كان خلقه أفضل، مؤمنان
حجّا بيت الله تعالى أيّهما أفضل ؟ من كان أحسن خلقًا، مؤمنان يؤدّيان زكاة
أموالهما أيهما أفضل ؟ من كان أحسن خلقًا، مؤمنان يعتمران في الشتاء،
أيّهما أفضل ؟ من كان أحسن خلقًا، مؤمنان يحضران مجالس العلم، أيّهما أفضل ؟
من كان أحسن خلقًا، الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في
الإيمان، فالعبادات تؤدّى وهي فرائض، ولكنّ الذي ترقى به عند الله هي
عملية الضبط، فإذا قلت لي: ما تعريف الخلق ؟ قلت لك الضّبط، من هو الحليم ؟
ضبط نفسه من أن يغضب، ومن هو الكريم ؟ ضبط نفسه من أن تبخل، ومن هو
الشّجاع ؟ ضبط نفسه من أن تهرب، من هو المنصف ؟ ضبط نفسه من أن ينحاز،
فالإنسان ينحاز أو يهرب من الخطر، أو يحرص على المال، من هو المؤمن ؟ هو
الذي ضبط هذه الشهوات، ووقّعها وفق منهج الله تعالى، الإيمان هو الخلق،
وهناك فكرة مهمّة جدًّا، وهي أنّ الله عز وجل يعطينا خصائص، أحيانا يلفت
نظري أنّ امرأة تحبّ أولادها حبّا لا حدود له، فإذا كان لِزَوجها ابن
لغيرها، وكان عندها في البيت، تقسو عليه قسوة لا حدود لها، ماذا نستنبط ؟
هي ترحم أولادها رحمةً لا حدود لها، وتحرصُ على صحّتهم ودراستهم، وعلى
راحتهم، وعلى شبعهم، وعلى كسوتهم، هي نفسها تقسو على ابن زوجها قسوةً لا
حدود لها، هناك استنباط خطير جدًّا، وهي أنّ تلك الرحمة التي أودعها الله
في قلب الأمّ ليستْ من كسبها، إنّما أودعها الله من أجل أن تستقيم الحياة،
ومن أجل أن يربّي الآباء أولادهم ومن أجل أن تربي الأمهات أولادها، فهذه
رحمة أودعها الله في المرأة، لا فضل لها في كسبها، بل تجد امرأة سافرة
وفاسقة، وامرأة ماجنة، وامرأة ملتزمة، وكلّ هؤلاء النسوة يحبّون أولادهم،
فهذه الرحمة الخاصة التي أودعها الله في قلوب الأمهات من أجل أن تستمر
الحياة، ومن أجل أن تربّي النساء أولادهنّ، هذه رحمةٌ أكاد أقول لا ترقى
بها المرأة، ولكنّ الرحمة التي ترقى بها هي الرحمة العامّة، والنبي عليه
الصلاة والسلام يقول: ولكنّها رحمةٌ عامّة، قصّة ذكرتها لكم كثيرًا، رجلٌ
لا أعتمد على المنامات، ولكن يُستأنس بها، رجل صالح له قريبة، توفّيت، فقال
لي رأيتها مرات عديدة لفترات متباعدة تشتعل نارا، وبعد ثماني سنوات فيما
يذكر رآها في هيئة طيّبة جدًّا، ترتدي ثياب بيضاء ومشرق، فقال يا فلانة
لعلّها عمّته أو خالته: ما فعل الله بك ؟ فقالتْ: يا بنيّ الحليب، كان لها
ابن زوج وأولاد، فإن صبّتْ الحليب لأولادها ملأتهُ، أما كأس ابن زوجها فتضع
ثلثه حليبًا، والباقي ماء ! إذًا رحمتها بأولادها لا أجر لها بها لأنّه
شيءٌ أودعه الله في القلب، أما حينما ترحم الناس، وترحم المرأة ابن زوجها
كما لو كان ابنها، هنا ترقى، فأنا لا أُقلّل من رحمة المرأة بأولادها، ولكن
هذه فطرة، لذلك لا تجد في القرآن كلّه آيةً واحدة تحضنا على أن نرحم
أولادنا، ممكن أن يصدر مرسوم تشريعي على كلّ مواطن أن يلتزم بتناول طعام
الفطور مثلاً ! مستحيل لأنّ هذا الكلام لا معنى له، وهو تحصيل حاصل، وكلّ
إنسان يشعر بالجوع فيأكل، فالشيء الذي أودع في أصل فطرة الإنسان لا يكلّف
به، ولكن هناك آيات كثيرة توصي الأبناء بالآباء لأنّه لم يودع الله في أصل
الإنسان بِرّ الوالدين، فبِرّ الوالدين تكليف، أما محبّة الأولاد طبْع، ليس
في القرآن آية تؤكّد أو تكلّف الإنسان بما أودعه الله في طبعه، تحصيل
حاصل، هذه اللّفتة وهي رحمة الأمّ بأولادها، يعني بطعامهم، وشرابهم،
وكِسْوتهم، وصحّتهم، ونومهم، هذا شيء ليس من كسبها، ولكنّه فطريّ أما حينما
ترحمهم فتُعَرّفهم بالله عز وجل، هذه كسبيّة، وحينما تحرصُ على آخرتهم،
وعلى دينهم، وصلاتهم واستقامتهم، وصدقه، وأمانتهم، هذه الأم ترقى عند الله
بشيءٍ من كسبها، أما الشيء الفطري، انظر إلى أمّ لا تحبّ أن توقِظَ ابنها
على صلاة الفجر، تقول: دعهُ يرتاح، حرصها على بقائه مرتاحًا في السرير هذه
رحمتها الفطريّة لا الكسبيّة، أما حرصها على أن يستيقظ ويصلّي الفجر في
وقته، هذه رحمة كسبيّة، فالأب والأم لا يرقى في تربية أولاده إلا إذا حرصت
على آخرتهم وطاعنهم لربّهم، أما إذا حرصت على طعامهم وشرابهم وريّهم فهذا
الحرص من رحمة أودعها الله في قلبك الآباء والأمهات، وهناك أمثلة صارخة
جدًّا
أمّ تخبز على التنور، وابنها على طرف التنور، فكلّما وضعَت رغيفًا ضمّت ابنها وشمّته وقبّلته وعانقته مرّ سيّدنا موسى فعجِبَ من هذه الرحمة، قصّة رمزيّة، قال يا موسى هذه رحمتي أودعتها في قلب هذه الأمّ وسأُنزعها، فلما نزِعَتْ الرحمة من قلبها، بكى ابنها فألقتهُ في التنور، ألا تروْن قطّة تأكل أولادها ؟ شيءٌ معروف، ترحمهم ثمّ تأكلهم، رحمتهم بِرَحمة أودعها الله في قلب هذه الحيوانات، حينما نزِعَت هذه الرحمة أكلتهم، فقلت يا رسول يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال: أحسنهم خلقًا، فأنت بالخلق ترقى إلى اعلى عليّين، لذلك الإسلام مجموعة قِيَم بنيَت على عبادات، بني الإسلام على خمس، مجموعة قيَم بنيَت على عبادات، ولكنّ الإسلام ليس هو هذه العبادات فقط، بناء بني على خمس دعائم، هذه الدعائم ليست هي البناء، البناء شيءٌ آخر، أمرنا بصِدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدّماء، فصاحب الخلق الحسن ذهب بالخير كلّه، وبالنهاية أنت كائن عباداتك فرائض، أما أخلاقك فهي مكتسبات، وبالمناسبة وهذا شيء أعلّق عليه أهمية كبرى، لا يجذب إلى الدّين عباداتك، ولكن معاملاتك، الذي يجذب الناس إلى الدّين أخلاقك العليّة لا عباداتك الشعائريّة.
قلت: فأي المسلمين أسلم، قال: من سلم الناس من لسانه ويده، ضبط لسانه وعدّ الإمام الغزالي أربعة عشرة آفة من آفات اللّسان، وقال أحد أصحاب النبي يا رسول الله: أومُؤاخذون بما نقول ؟ فقال: ثكلتك أمّك يا معاذ ! وهل يكبّ الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به سبعين خريفًا.
فالمؤمن لا يؤذيهم لا بلسانه ولا بيده.
قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، أي صلاة هادئة، صلاة متقنة، وفيها اطمئنان وخشوع، هذه أفضل صلاة.
قلت: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السيئات، بالمناسبة نحن في ذكرى الهجرة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: عبادة في الهرْج كهجرة إليّ وحقيقة الهجرة أن تهجر ما نهى الله عنه، فأفضل الهجرة هي هجر السيّئات، طبعًا قال عليه الصلاة والسلام لا هجرة بعد الفتح، لكنّ الهجرة قائمةٌ بين كلّ مدينتين تشبهان مكّة والمدينة، فإن كنت في مدينة لا تستطيع إعلان إسلامك فيها، وفي مدينة لا تستطيع أن تصلّي ولا أن تحجّب بناتك، ولا أن تربّي أولادك، ولا أن يكون دخلك حلالاً، والدخل في هذه المدينة فلكي، أما في مدينة أخرى الدخل قليل جدًّا، ولكن بإمكانك أن تصلّي وأن تربي أولادك، وأن تحجّب بناتك، وأن تقيم أمر الله في بيتك وعملك، يجب أن تهاجر من تلك المدينة التي فيها دخل فلكي، إلى المدينة التي تستطيع إقامة شعائر دينك، وإلا فالعقاب هو النار، ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، هذا الذي لم يهاجر وآثر الدنيا العريضة على حساب دينه، هذا جزاؤه جهنّم خالدًا فيها أبدًا، هكذا نصّ الآية الكريمة:
أمّ تخبز على التنور، وابنها على طرف التنور، فكلّما وضعَت رغيفًا ضمّت ابنها وشمّته وقبّلته وعانقته مرّ سيّدنا موسى فعجِبَ من هذه الرحمة، قصّة رمزيّة، قال يا موسى هذه رحمتي أودعتها في قلب هذه الأمّ وسأُنزعها، فلما نزِعَتْ الرحمة من قلبها، بكى ابنها فألقتهُ في التنور، ألا تروْن قطّة تأكل أولادها ؟ شيءٌ معروف، ترحمهم ثمّ تأكلهم، رحمتهم بِرَحمة أودعها الله في قلب هذه الحيوانات، حينما نزِعَت هذه الرحمة أكلتهم، فقلت يا رسول يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال: أحسنهم خلقًا، فأنت بالخلق ترقى إلى اعلى عليّين، لذلك الإسلام مجموعة قِيَم بنيَت على عبادات، بني الإسلام على خمس، مجموعة قيَم بنيَت على عبادات، ولكنّ الإسلام ليس هو هذه العبادات فقط، بناء بني على خمس دعائم، هذه الدعائم ليست هي البناء، البناء شيءٌ آخر، أمرنا بصِدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدّماء، فصاحب الخلق الحسن ذهب بالخير كلّه، وبالنهاية أنت كائن عباداتك فرائض، أما أخلاقك فهي مكتسبات، وبالمناسبة وهذا شيء أعلّق عليه أهمية كبرى، لا يجذب إلى الدّين عباداتك، ولكن معاملاتك، الذي يجذب الناس إلى الدّين أخلاقك العليّة لا عباداتك الشعائريّة.
قلت: فأي المسلمين أسلم، قال: من سلم الناس من لسانه ويده، ضبط لسانه وعدّ الإمام الغزالي أربعة عشرة آفة من آفات اللّسان، وقال أحد أصحاب النبي يا رسول الله: أومُؤاخذون بما نقول ؟ فقال: ثكلتك أمّك يا معاذ ! وهل يكبّ الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به سبعين خريفًا.
فالمؤمن لا يؤذيهم لا بلسانه ولا بيده.
قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، أي صلاة هادئة، صلاة متقنة، وفيها اطمئنان وخشوع، هذه أفضل صلاة.
قلت: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السيئات، بالمناسبة نحن في ذكرى الهجرة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: عبادة في الهرْج كهجرة إليّ وحقيقة الهجرة أن تهجر ما نهى الله عنه، فأفضل الهجرة هي هجر السيّئات، طبعًا قال عليه الصلاة والسلام لا هجرة بعد الفتح، لكنّ الهجرة قائمةٌ بين كلّ مدينتين تشبهان مكّة والمدينة، فإن كنت في مدينة لا تستطيع إعلان إسلامك فيها، وفي مدينة لا تستطيع أن تصلّي ولا أن تحجّب بناتك، ولا أن تربّي أولادك، ولا أن يكون دخلك حلالاً، والدخل في هذه المدينة فلكي، أما في مدينة أخرى الدخل قليل جدًّا، ولكن بإمكانك أن تصلّي وأن تربي أولادك، وأن تحجّب بناتك، وأن تقيم أمر الله في بيتك وعملك، يجب أن تهاجر من تلك المدينة التي فيها دخل فلكي، إلى المدينة التي تستطيع إقامة شعائر دينك، وإلا فالعقاب هو النار، ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، هذا الذي لم يهاجر وآثر الدنيا العريضة على حساب دينه، هذا جزاؤه جهنّم خالدًا فيها أبدًا، هكذا نصّ الآية الكريمة:
>
>
تعليقات
إرسال تعليق